اللهم صل على محمد وال محمد عج
الاسم: محمد
اسم الأب: عبد الله
اسم الأم: آمنة
تاريخ الولادة: عام الفيل
محل الولادة: مكة
تاريخ الوفاة: السنة الثالثة عشرة للهجرة
محل الوفاة: المدينة
محل الدفن: المدينة
وما كانت الجزيرة العربية - بل الإنسانية - يوماً بأحوج منها إلى موعد، كالموعد الذي وافاها به هذا الفجر البازغ من اليوم السابع عشر من ربيع الأول من السنة الموافقة لعام الفيل.
لقد تمت، مع هذا الصباح الأبلج، ولادةُ طفلٍ سوف يعجن الجزيرة بعضها ببعض، وليطل بها على العالم أفقاً تتوزع عليه قبب المنائر.
ونما الفتى، ونمت معه غُلفُ الأسرار، ونما معه السكون، وعمق السكون، وأخذ يستقطب إليه النظرات، لقد اشتدت حوله علائم الاستفسار: هل هو عاصفةٌ تسير من بعيد؟ أم أنه هدوءٌ يحوم في عاصفة؟ أم سحاباً يتكاثف؟ لقد شب الفتى. لقد أصبح غزير الرؤى، عميق الغور، بعيد اللفتات. لقد أصبح تتفتق خلف جبينه أثقال المجاني، لقد أصبح تلمعُ في عينيه شهبُ المعاني، لقد تكسرت على شفتيه أبعاد الخيال، كما تتكسر على الشاطئ كرات الأمواج.
فهي إذاً أمام رجل تتراءى عليه الانعكاسات: سريرةٌ بيضاء على بشرةٍ بيضاء، عين دعجاء تحت بصيرة فيحاء، عنق كأبريق فضَّة كأن يداً تناوله منهلاً من كوثر، كفَّ من ندى، قدم من صخر، عينٌ من بريق، كتفان من أثقال، مشية إلى هدف، قامةُ إلى تطاول، فمٌ إلى صدق ودعاء وابتهال، تلك أبرز المظاهر كانت تتراءى على محمد (صلى الله عليه وآله) منذ الطفولة.
محمد (صلى الله عليه وآله) ذلك الإنسان العظيم... خاتم الأنبياء، وسيد المرسلين، خيرة الله من خلقه، حبيبه وصفيه، وأمينه، وربيبه.
تلك الشخصية الفذة التي لا يمكن لأي من عظماء البشر الرقي إلى مصافها وعظمتها، ولا حتى محاولة المقارنة بها، ابتداءً من بدء الحياة في هذا الكون، إلى ما ينتهي إليه.
الصادق الأمين، الذي جاء لخير البشرية جمعاء، دون تخصيص فئوي، دون حصر بجماعة محدودة، أو مجتمع معين.
ذلك العظيم الذي قال - وقوله صدق - وفي قوله نفحات سماوية وسمات ربانية.. قال (صلى الله عليه وآله): (خير الناس من نفع الناس) نعم كل الناس.. لأنه أرادها مطلقة لكل الناس. لم يقل خير الناس نفع المسلمين فقط!! أراد (عليه الصلاة والسلام) النفع والخير للناس عامة دون استثناء لدين أو لقومية أو لعرق..
أراد الخير لكل البشر على اختلاف معتقداتهم ومللهم ودياناتهم، كيف لا، وهو رسول الإنسانية.. رسول المحبة.. رسول السلام.. رسول الله لكل خلق الله.. هذا العظيم الذي استمد عظمته من عظمة الله سبحانه وتعالى.. الذي علّمه وأدّبه.. فأحسن تأديبه، وأجاد تعليمه، حتى كان حقاً ربيباً لوحيه.
هذا الإنسان الذي لم ينجب كوكبنا هذا نظيراً له.. ولا مثيلاً لإنسانيته، ولا قريناً لخلقه، حتى خاطبه خالقه قائلاً: (وإنك لعلى خلقٍ عظيم) [سورة القلم: الآية 44] وتلك شهادة ما بعدها شهادة، لم يقلها سبحانه وتعالى لأي من أنبيائه ورسله الكرام، لم يخاطب بها أو بمعناها، إلا خاتم أنبيائه.. محمد بن عبد الله.. حبيبه وصفيه.. ومبلغ آخر رسالاته وأتمها.
ولا يمكن إعطاء هذا العظيم حقه، بما هو فيه من شأن عظيم، مهما كتبنا عنه، عمّا يتحلّى به من روائع الصفحات، وما يتصف به من معجزات السمات، ذلك العظيم الخالد في القلوب المؤمنة، وبالأنفس التقية، وفي الأرواح الطاهرة النقية.
نسبه
1
ـ عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن مهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن ألياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن يشعب بن شيث بن جميل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم بن تارخ بن ناحور بن أشوع بن أرعوس بن فالغ بن عابر ـ وهو هود النبي ـ بن شاع بن أرفخشد بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أقنوخ ـ وهو إدريس ـ بن يرد بن قينان بن أنوس بن شيث بن آدم (عليه السلام)(1).
2 ـ وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كنت وآدم في الجنة في صلبه، ورُكب بي السفينة في صلب أبي نوح، وقُذف بي في النار في صلب إبراهيم، لم يلتق أبواي قط على سفاح، ولم يزل الله ينقلني من الأصلاب الحسنة إلى الأرحام الطاهرة، صفي مهدي، لا ينشعب شعبتان إلاّ كنت في خيرها، قد أخذ الله بالنبوة ميثاقي، وبالإسلام عهدي، ونشر في التوراة والإنجيل ذكري وبين كل نسبي صفتي، تشرق الأرض بنوري، والغمام لوجهي وعلمني كتابه، ورقاني في سمائه، وشق لي اسماً من أسمائه، فذو العرش محمود وأنا محمد، وعدني أن يحبوني بالحوض والكوثر وأن يجعلني أول شافع وأول مشفع، ثم آخر جني من خير قرن لأمتي، وهم الهادون، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر(2).
حال (آمنة بنت وهب) أم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (3)
كانت أفضل امرأة في قريش نسباً وموطناً، ويؤخذ من اللهجة التي كانت تتكلم بها السيدة آمنة أن أصلها من المدينة، وأن أخوتها كانوا يقطنون المدينة.
وقال ابن قتيبة: ولا يعلم أنه كان لآمنة أخ فيكون خال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن بنو زهرة يقولون نحن أخوال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن آمنة منهم.
وكانت السيدة آمنة وفيّة لزوجها عبد الله والد الرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته.
فكانت تخرج في كل عام إلى المدينة تزور قبره، فلما أتى على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ست سنين خرجت زائرة لقبره ومعها عبد المطلب وأم (أيمن) حاضنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما صارت بالأبواء منصرفة إلى مكة ماتت بها.
حملها برسول الله
ذكر السيد حسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة في باب حملها بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، حملت به أيام التشريق قالت: فما وجدت له مشقة حتى وضعته، ثم خرج أبوه عبد الله وأمه حامل به في تجارة له إلى الشام فلما عاد نزل على أخواله بني النجار بالمدينة فمرض ومات، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حمل، وقيل عمره سنتين وأربعة أشهر، وقيل كان عمره سبعة أشهر، وقيل شهرين، وكان عبد الله فقيراً لم يخلف غير خمسة من الإبل وقطيع غنم وجارية اسمها بركة، وتكنَّى أم أيمن وهي التي حضنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولادة النبي (محمد صلى الله عليه وآله)
ولد (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة يوم الجمعة أو يوم الاثنين عند طلوع الشمس أو عند طلوع الفجر أو عند الزوال (على اختلاف الأقوال) في السابع عشر من شهر ربيع الأول على المشهور بين الإمامية، وقال الكليني منهم لاثنتي عشرة ليلة مضت منه، وهو المشهور عند غيرهم.
واتفق الرواة على أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولد عام الفيل بعد خمسة وخمسين يوماً أو خمسة وأربعين أو ثلاثين يوماً من هلاك أصحاب الفيل، لأربع وثلاثين سنة وثمانية أشهر أو لاثنتين وأربعين سنة مضت من ملك كسرى أنوشروان ولسبع بقين من ملكه.
وأرسلت آمنة إلى عبد المطلب تُبشره فسُرَّ بذلك ودخل عليها وقام عندها يدعو الله ويشكر ما أعطاه وقال:
هـــذا الغـــلام الطـيــب الأردان
الحمـــد لله الـــذي أعطـــانـــي
أعيـــذه بـــــالله ذي الأركـــــان
قـد ساد في المهد على الغلمان
أعيـــذه مــن شــرِّ ذي شـــنان
حتــــى أراه بـــالــــغ البـــنـيان
مـــن حـاســـد مضطرب العنان
نسبها:
آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب، وأمها برة بنت أسد بن عبد العزى، وكان وهب سيد بني زهرة خطبها لعبد الله زوجه بها أبوه عبد المطلب، وكان سنُّ عبد الله يومئذ أربعاً وعشرين سنة.
1 ـ كنز العمال ـ المتقي الهندي: ج 6 ص 200.
2 ـ كنز العمال ـ المتقي الهندي: ج 6 ص 106.
3 ـ تنقيح المقال: ج 3 ص 69.
بعض ما قيل في حضرته الشريفة
قال جرجس سال في كتابه (مقالة في الإسلام) صفحة 75:
(إن محمداً رسول الإسلام (عليه الصلاة والسلام) كان صالح الاخلاق ولم يكن على الشر والخبث كما يصفه به خصومه). ثم مضى يقول:
(قال جيبون: عقيدة محمد خالصة ليس فيها لبس ولا إبهام، والقرآن شاهد عدل وبرهان قاطع على وحدانية الله سبحانه.
لقد هجر نبي الإسلام (عليه أفضل الصلاة والسلام) عبادة الأصنام والبشر، سواء أكانوا من النجوم أم من الكواكب السيادة، أم من غير ذلك، بناء على القاعدة العلمية الصحيحة وهي: إن كل قابل للتلاشي لا بد أن يبيد ويفنى، وكل مولود لا بد أن يموت، وكل بازغ لا بد له من أفول.
كانت لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حماسة حكيمة، اعترف بمبدع هذا الكون، وعبده على عقيدة أنه أبدي غير محدود، بلا صورة، ولا مكان ولا ولد، ولا شبيه، يعلم خطايا الأفكار وأسرار القلوب، وجوده من نفسه، وصفاته وعلمه وكماله من نفسه). وفي الختام قال:
(وهذه الحقائق السامية مبنية على وجه معقول بغاية الإحكام في تراجم القرآن، فكل من يؤمن بالله إيمانا علميا فلسفيا، قادر على أن يشارك المحمديين في اعتقادهم المقبول).
نقول: إن ما رواه جرجس عن جيبون يدل على إيمان جيبون بالله وحده وبرسوله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنه في ختام قوله يدعو من حوله إلى هذا الإيمان، دعوة خالصة لمصلحة الإنسان لا غير
الفيلسوف توماس كارليل
وقال (توماس كارليل) في كتابه (الأبطال):
(…الرجل العظيم في نظري مخلوق من فؤاد الدنيا وأحشاء الكون فهو جزء من الحقائق الجوهرية للأشياء).
فمحمد رسول الإسلام (عليه الصلاة والسلام) كان كذلك، وكان فوق ذلك، الرجل العظيم الذي علّمه الله العلم والحكمة، وما كلمته إلا صوت صادق صادر من السماوات العلى).
نقول: إن اعتراف كارليل هنا أيضاً منبعث عن دراسته العميقة لشخصية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، كسائر اعترافاته القيمة التي عرفناه بها، إنه يريد بقوله (الرجل العظيم الذي علمه الله العلم والحكمة) معنى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصف حقيقة معارفه وعلومه: (أدبني ربي فأحسن تأديبي) لا غير، لأن كارليل يعترف بان رسول الإسلام، (عليه الصلاة والسلام) كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، حكمة الله العليم الحكيم، التي تتعلق بصدق نبوته ورسالته.
. يتبع